كورونا ….. وتكريس أزمة التواصل السياسي.  

 

محند السيد

باحث في العلوم السياسية

ان الاتصال السياسي باعتباره همزة الوصل بين الفاعل السياسي والمواطنين، والذي لا يمكن الاستغناء عنه من طرف جميع المتدخلين في المشهد السياسي أشخاصا كانوا أو مؤسسات، لن يكون ذا جدوى ما لم يكن فعالا قادرا على تحقيق الأهداف بتبادل الفهم بين الجميع وهو كذلك ما لن يتحقق بدون بناء حقيقي لأهم عناصره وهي منظومة تواصل قوية وخطاب ممنهج يدرس أهدافه بدقة.

والأحزاب السياسية كنموذج شأنها شأن جميع التنظيمات والمؤسسات هي بحاجة ملحة للتسلح بالاتصال السياسي وضمنه الية التواصل السياسي مبنية على أسس متينة ومدروسة بعناية حتى تستطيع خدمة مصالح الحزب.

ان واقع الممارسة السياسية لجل الأحزاب السياسية بالمغرب (على الأقل التي تحاول أن تتواصل) لتوضح بجلاء الضعف الكبير الذي تعاني منه على مستوى امتلاك تقنيات تواصل وخطاب ايجابيين، وهذا الامر ليس وليد اللحظة بل يكاد يكون معطى بنيويا في الظاهرة الحزبية بالمغرب.

لكن مناسبة الحديث عن هذا الموضوع في هذه الظرفية هي الخرجات الإعلامية لمجموعة من أعضاء الحكومة في إطار مواكبة أزمة كورونا الأخيرة والتي قصت شريطها الندوة الصحفية التي عقدها الوزير عبيابة الذي تمت اقالته لاحقا.

أغلب هذه الخرجات يظهر من خلال نتائجها انها تفتقد الى دراسة مسبقة تنسجم أولا مع عمل مؤسسات الدولة (أو على الأقل ما يجب ان يكون عليه)، وثانيا مع ما ينتظره الجمهور. وهو ما يفسر الفشل في نقل تصورات الحكومة بخصوص أزمة الحجر الصحي، والتي كانت أبرز تجلياته الافتقار الى معطيات وأرقام واضحة للتداعيات الاقتصادية والمالية أثناء وبعد الجائحة، وغياب برنامج لانقاد الاقتصاد الوطني، ناهيك عن غياب تصور لسياسة صحية عاجلة لضمان امن صحي مرحلي، والارتباك في انقاد الموسم الدراسي ثم عدم الوضوح في حل أزمة العالقين خارج الحدود. وهو ما خلق ردود فعل كبيرة من الانتقاد و السخرية سببها عدم الاقناع.

وإذا أردنا ان نعتبر هذا الارتباك مرده أن القرارات المصيرية الكبرى في البلاد ليست بيد الحكومة وانما قرارات تتخذها جهات عليا والتي تمليها عليها، فكيف إذن سنبرر الاختلاف والتعارض أحيانا بين أعضاء الحكومة نفسها خصوصا حسب اختلاف الحزب الذي ينتمي اليه العضو، وهو ما يظهر حينما نلاحظ على ان عضوا في الحكومة بدرجة وزير يتوفر أحيانا على أرقام ومعطيات تغيب عن رئيسه في الحكومة بنفسه، بل يتوفر على تصور  أو خطة لوزارته لا يتوفر عليها الرئيس، وهو ما يفسر غياب التنسيق بين رئاسة الحكومة وبعض الوزارات في مواجهة أزمة وبائية تشمل جميع القطاعات.

هذا في وقت وجب فيه التنسيق والرفع من حدته، وتقديم خارطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة، وتوقع الخسائر الاقتصادية  للبلاد، وتحديد الإجراءات الملائمة للحد من تداعياتها، ووضع استراتيجيات  ضمان الامن الغذائي والصحي  في حال استمرت  شروط ركود الاقتصاد، وكذا  خطة الخروج من فترة الحجر الصحي، وكل هذا  وحتى إذا توفر  فيمكن أن تكون نتائجه عكس المرجو منها، ما لم يكن هناك  تواصل  مستمر ومواز  للإجراءات والتدابير المتخذة، حتى  يتماشى مع ما تتطلبه المرحلة ومع ما ينتظره المواطنون، والذي يعتبر  من أولوياته التخفيف من الضغط النفسي الذي يتخبطون فيه، بدل المساهمة في حدة التوتر والخوف من الجائحة، والحذر أن يتحول  التواصل الى مجرد اطلالة روتينية لقراءة الأرقام، او خرجات إعلامية غير مدروسة اضحى من خلالها  التواصل السياسي عند مؤسسات الدولة مرادفا للإستهزاء عند المتلقي. هذا في وقت كان فيه على الفاعل السياسي الذي أخد على عاتقه الانخراط في العملية السياسية ان يكون قد اكتسب القدرة على بناء تصورات ومعرفة كل القضايا وجمع كل الآراء المطروحة والتي يمكن ان تطرح، ويكون خطابه السياسي متطورا بل قويا يلامس أبعد الحدود.

لقد كان وأصبح لزاما دائما على المؤسسات والتنظيمات السياسية الاهتمام المستمر بمسألة الاتصال السياسي ودراستها وتطويرها وتكليف متخصصين في تأطير الخطاب من جهة ووضع خطط للتواصل تختلف حسب السياق والمجال من جهة أخرى، وذلك من أجل ضمان تكوين دائم ومستمر يراعي المتجدد والمتغير في العلاقة مع المواطن، خصوصا أمام تقدم امتياز الفضاء الالكتروني الذي أصبح وسيلة ناجعة للتوجيه والتأطير بما يفوق كل القدرات القديمة للتنظيمات السياسية والتي بينت الضعف على مستوى مواكبة تطورها، وتخلفها على مستوى الاستفادة منها فلا يعقل  مثلا أن ينظم حزب سياسي ندوة افتراضية يتابعها أقل من 100 مشاهد، فهو ما يعني صعوبة أن يصل الحزب حتى الى منتسبيه. وهو ما يجب أن ينتبه اليه من يرسم (ان كان موجودا) استراتيجيات التواصل عند كل حزب.

ودون ذلك فالممارسة السياسية بدون ضبط دقيق لآليات الاتصال تعطي نتائج سلبية، يصبح بسببها الاضمحلال مصير الفاعل السياسي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *