محند السيد
باحث في العلوم السياسة
فيروس كورونا الذي تمكن الى حدود اللحظة من الحاق هزائم متعددة بدول العالم، منها التي تتوفر على أقوى الدفاعات الاقتصادية كالصين والولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وكشف عن عيوب النظام الاقتصادي العالمي كونه غير قادر على حماية ما يمكن أن يهدد البشرية، بالرغم من حزمة الإجراءات والقرارات والجهود المبذولة لمحاصرة تفشي هذا الوباء، ومازال مسلسل استخلاص العبر والدروس من هذه الحرب مستمرا، ولن ينتهي طبعا حتى انتهاء الحرب وإعلان القضاء على الوباء.
والمغرب ليس بمنأى عن باقي دول العالم المنخرطة بكل امكانياتها في هذه الحرب، فقد حاولت السلطات منذ البداية الانخراط في تعبئة شاملة واتخاذ مجموعة من التدابير، توجهت بإعلان حالة الطوارئ الصحية لوقف المنحى التصاعدي للوباء،
فيروس كورونا كما صرح بذلك “غاي رايدر” المدير العام لمنظمة العمل الدولية حين قال: ” فيروس كورونا ليس مجرد أزمة طبية فحسب، بل اجتماعية واقتصادية أيضاً….” وهو قول ينطبق على المغرب، على اعتبار أن تداعيات الوباء أرخت بظلالها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد. والذي كشف عن هشاشة بنيوية لاقتصاد بني على الريع والاحتكار وارتباط عجلته بالمؤسسات المالية العالمية (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ) من جهة، واعتماده الكبير على الفلاحة المرتبطة بكمية الامطار السنوية ،واحتياطي من العملة الصعبة يرتكز بالأساس على السياحة وتحويلات الجالية المغربية بالخارج التي تقلصت وستتقلص بشكل كبير جراء تداعيات وباء كورونا من جهة أخرى.
وكورونا تعمقت وأظهرت ان هناك خللا كبيرا في منظومة السياسات العمومية للدولة في العديد من القطاعات بشكل عام وقطاعي الصحة والتعليم بشكل خاص. لاعتبارهما أولا في مرمى النيران المباشرة للأزمة، وثانيا لانهما مجالين اجتماعيين تخلت الدولة عن الاهتمام بهما لصالح الخواص.
الحق في الصحة كونه من أهم الحقوق الأساسية لكل مواطن، كان دائما محل انتهاك على مدى سنوات عديدة، واليوم قطاع الصحة وجد نفسه في الجبهة الامامية للحرب لاستقبال ومعالجة العدد الكبير من المصابين في ظل واقع يعرف خصاصا على كل المستويات من بنية تحتية وعدد الاسرة داخل المستشفيات العمومية ونقص في الموارد البشرية. كل ذلك نتيجة عجز السياسات الصحية لكل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في المغرب على تحقيق عدالة وأمن صحيين.
أما بالنسبة للتعليم الذي أجريت عليه أكثر من 10 عمليات اصلاح منذ الخمسينيات من القرن الماضي، فقد وقف هذا القطاع عاجزا في وقت لم يكن مستعدا لمواكبة أزمة طارئة لم تكن في الحسبان، بعد الإعلان عن اغلاق المؤسسات الدراسية، فحاول الشروع في نهج تقنية التعلم عن بعد، متسلحا بضعف في الوسائل اللوجستيكية وانعدام للمناهج التربوية الالكترونية وغياب التجربة لدى موارده البشرية. بالإضافة الى تلاميذ لا يتوفر أغلبهم حتى على الضروريات الأساسية في الحياة فبالأحرى امتلاك حواسيب وهواتف ذكية وانترنيت لمسايرة الدروس الافتراضية.
لم نكن نحتاج الى كورونا لنقف عند حجم فشل السياسات العمومية بالمغرب، فواقع اتساع الفوارق الاجتماعية قبلها يشهد على ذلك والملك بنفسه أقر بذلك في عدة مناسبات كان اخرها الإقرار بفشل النموذج التنموي أثناء القاء خطاب العرش 29/07/2019 ، والذي كان سببا في دعوته الحكومة الى القيام بتعديلات في تشكيلتها والدعوة الى إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ولكنها (كورونا) مناسبة لتأكيد ما هو مؤكد، ولاستخلاص عبر ودروس حقيقية. وحينما نتحدث عن الدروس والعبر فلا نقصد ما يحاول البعض الترويج له من قبيل “تغير في العادات الاجتماعية والنظافة والوقاية والتثقيف الصحي والتضامن…..”، هي حقا عادات اجتماعية تستحق الوقوف عندها ولكن ليس بنفس درجة ما يجب أن نستخلصه من دروس سياسية واقتصادية تبدأ بضرورة إعادة النظر في مسار السياسات العامة خصوصا في مجال الاقتصاد وهو ما لن يمر الا عبر العمل على تقوية البنيان الاقتصادي للبلاد، لما له من قوة في التأثير على باقي المجالات، وذلك من خلال بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على مواجهة كل الازمات بدل الاستمرار في رهنه بالخارج. وكذا إعادة النظر في السياسات العمومية والبرامج القطاعية وتصحيح منهجية تدبير الشأن العام ومراجعة الاستراتيجيات وعلى رأسها الاستثمار في البحث العلمي الذي ظهرت حاجة العالم اليه.
إن التحديات المستقبلية مستمرة على الدوام، ولا جدوى من الحديث عن رصد ما راكمته الدولة من خبرات او استخلاص دروس وعبر في مواجهة ازمة كورونا، دون استغلالها للقضاء على مشكلاتنا الاقتصادية المزمنة وصياغة سياسات مستقبلية يكون الرقي بالعنصر البشري وحمايته مركز اهتمامها، ومن خلالها مواجهة أي ازمة مستعجلة يمكن أن تواجهنا جميعا.
ف “كرونا” سيهزمها العالم بقيادة الدول التي تسلحت بالبحث العلمي، ولكن نحن ومن مثلنا، ماذا بعد ذلك غير مراجعة شاملة للسياسات العامة والعمومية؟.